رجل طاعن في السن قد احدودب ظهره وشاب شعر رأسه ولحيته وبلغ من الكبر عتيا
كان من أهل المسجد لا بل كان من أهل الصف الأول مكانه في الصف الأول معلوم
كان له مصحف يقرأ فيه في ذلك المسجد معروف مصحفه ومكانه معلوم كان هذا الرجل
إذا دخل رمضان يذهب إلى مسجد حيه ويجلس في مكانه في الصف الأول ثم ينشر المصحف
بين يديه يرتل القرآن من بعد صلاة الظهر وحتى يؤذن المؤذن لصلاة المغرب ما يفتأ
عن قراءة القرآن كم من ختمت ختمها في ذلك المسجد كم من آيات رتلها بشفتيه ولسانه
عاش مع القرآن في شهر رمضان لأنه يعلم أن شهر رمضان هو الشهر الذي أنزل فيه القرآن
وهو يعلم أن الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة حتى يدخلاه الجنة يقول الصيام
أي ربي منعته شهوته بالنهار فشفعني فيه ويقول القرآن أي ربي منعته النوم بالليل
فشفعني فيه فيشفعان فيه ويدخل الجنة فأسأل الله أن يجعلني وإياكم من أهل القرآن
هم يعلمون أن رسولهم صلى الله عليه وسلم كان يختم القرآن مع جبريل إنهم يعلمون
أن قارئ القرآن يقال له يوم القيمة يقال له يوم القيامة اقرأ وارتقي ورتل كما كنت ترتل
فإن منزلتك في الجنة عند آخر آية كنت ترتلها جلس هذا الرجل يقرأ القرآن الأيام
من شهر رمضان وبالليل له قيام وقرآن وفي رمضان المنصرم وبعد مرور عشرين يوما
من أيام رمضان في يوم العشرين من رمضان ذهب ذلك الرجل إلى مسجده لصلاة الظهر
نعم ولما صلى الظهر مع المصلين ناجى مؤذن المسجد وأخبره أنه سيذهب اليوم بعد صلاة العصر
إلى مكة المكرمة ليقضي باقي ليالي العشر هناك بجوار البيت العتيق يوم أن يشد المعتكفون
رحالهم ليقصدوا البيت الحرام يعتكفون فيه فهم ما بين صائم وقائم وطائف وتال للقرآن
ومستغفر بالأسحار دموعهم سحا وقلوبهم وجلة انقطعوا من الدنيا لله
عزم ذلك الشيخ على أن يلتحق بذلك الوفد أخبر مؤذن المسجد بذلك الخبر وأن ابنه
سيقابله في الحرم وجلس يرتل القرآن لصلاة العصر وما إن أذن المؤذن لصلاة العصر
إلا وخرج ذلك الشيخ يعزم على تجديد وضوئه ليجدد الوضوء لصلاة جديدة وآيات
من القرآن جديدة لكنه أبطء عن المصلين أقيمت الصلاة صلى الإمام انتهت الصلاة
الرجل لم يعد لمكانه خرج المؤذن وخرج حارس المسجد ليلقوا ذلك الرجل قد مات
وهو يستعد للوضوء للصلاة لكن ما ضره أن يموت في رمضان وكم من آيات
رتلها من القرآن ما ضره أن يلقى الله وهو من أهل الصف الأول من الذين شغلوا
ليلهم ونهارهم بالقرآن في شهر الصيام إنه سعيد من السعداء ...