.
.
ان بعض وسائل الإعلام " ومنها قناة العراقية " و " الفيحاء " و " الانوار " وبعض الناس في مجلس الحكم الانتقالي سابقاً والجمعية العمومية لاحقاَ كانوا قد أثاروا قضية الطائفية، و أرادوا أن يربطوا بين النظام السابق والمذهب السني ، وزعموا انه كان نظاما طائفيا بغيضا بل ومتعصبا باتجاه الشيعة ولاسباب مذهبية وهذه المغالطة قد سمعناها تتكرر على الألسنة مراراً في وسائل الإعلام – ووردت بعض الاشارات لها في مشاريع مسودة الدستور !!- فلزم البيان والإيضاح لإظهار الحقيقة في هذه القضية المهمة وان كنا نكره الخوض في مثل هذه الأمور فنقول : إن النظام البعثي السابق لم يكن نظاماً إسلاميا وبالتالي لم يكن نظاما سنيا لان التسنن فرع عن الإسلام ، ويتبين هذا من وجوه :
( الوجه الأول) إن حزب البعث العربي الاشتراكي حزب علماني معروف ، والعلمانية لاتقوم على أساس ديني أبدا ، ومؤسس البعث رجل علماني منحدر من أصول مسيحية مستنبت في التربة السورية وهو " ميشيل عفلق " ، كما أن عامة مفكري حزب البعث ليسوا من المسلمين كشبلي العيسمي والياس فرح ونحوهما . ومن ثم فان الأيدلوجية السياسية المتبعة في الحكم لحزب البعث تقوم على أساس الفصل بين الدين والدولة أو بين الدين والسياسة .
( الوجه الثاني ) لم يفرق النظام السابق في تعامله مع الآخرين بين السنة والشيعة ، فقد وقع الاضطهاد والظلم على الفريقين سواء بسواء ، فقد اعدم النظام البعثي الكافر عددا من رجالات أهل السنة ودعاتهم ومنهم الشيخ عبد العزيز البدري والأستاذ ربيع كمونة ورفاقه ، والشيخ محمود العزاوي ، والأخ فايز البغدادي ، والشيخ تلعة الجنابي وغيرهم ..
أما الاعدامات التي نفذت بحق الضباط من أهل السنة فحدث عنها ولا حرج ، وعامتها لاسباب أمنية وسياسية .
أما الاعتقالات والإيداع في السجون لاسباب أمنية فامر عجيب وهو اشهر من أن يذكر ، فاعتقال الإخوان والسلفيين كان مفتوحا على طول الخط ، ولم يتورع النظام السابق عن تعذيبهم وإرهابهم بشتى أنواع التعذيب التي كانت متبعة في سجون الأمن العامة والمخابرات العامة مما يعرفه جميع العراقيين ، وهذا مثبت بالمستندات والأوراق الرسمية وشهادة الشهود ، وكثير من الناس مات تحت وطأة التعذيب ، فكيف يقال بعد ذلك بان النظام البعثي الصدامي السابق كان طائفيا أو سنيا ؟!
وفي هذا الصدد يقول الدكتور سلمان الظفيري : " بعد مجيء البعثيين عملوا على مصادرة الحريات، فقلَّ النشاط الإسلامي السني، ولا سيما بعد إغلاق كلية الدراسات الإسـلامية عام 1975م وإلغاء الحلقات العلمية كحلقة الشـيخ عبد الكريم المدرس في مسجد القادرية، وكذلك إلغاء المدرسة الآصفية في بغداد، وإلغاء منصب المفتي عام 1976م وهي سنة وفاة أخر مفتي للعراق، وإلغاء كلية الإمام الأعظم وتأسيس كلية شرعية مختلطة ومسيسة، وكانوا قد أجبروا الأستاذ الشيخ عبد الكريم زيدان على وقف نشاط الإخوان المسلمين في العراق وحل التنظيم " . [ اليقظة السنية المعاصرة في العراق ( ص 2) ] .
( الوجه الثالث ) كما انه لم يميز بين السنة والشيعة فيما يتعلق بالامتيازات والمكاسب الوطنية أو المصلحية فمن كان بعثيا مواليا لصدام حصل على شيء من المكاسب من أي دين كان ومن أي طائفة كان ، ومن لم يكن بعثيا مواليا لصدام حرم من كل ذلك وضيق عليه في معيشته وعمله
وما وقع على الإسلاميين من أهل السنة في زمن النظام البائد من " التهميش المعيشي والاقتصادي " حقيقة ثابتة لا يماري فيها إلا جاهل مغرض !!
فقد اتبع النظام معهم " سياسة التضييق والتجويع والحرمان " ولم يسلم من ذلك إلا من كان موسرا بالوراثة أو ناشطا في التجارة أو ممن قدم شيئا من التنازلات !!
والخلاصة : إن صداما ( وهو راس النظام السابق وقائده ) لم يكن مسلما متمذهبا ولا سنيا ولا طائفيا بحال من الأحوال، وانما هو من أصول سنية ـ على التسليم بان أصوله كذلك ـ وإلا فان هناك من يشكك بإسلامية أصوله أو عربيتها !!
وما وقع على السنة من الظلم هو شبيه بما وقع على الشيعة منه وإلا فان الشيعة قد ظلموا اكثر من غيرهم ، وهناك طائفة ثالثة قد ظلمت اكثر من الشيعة " وهم الأكراد " وهم من أهـــل السنة عموما ..
ونحن لا ننكر وقوع بعض " الحلقات الطائفية " أو " الانحياز المذهبي " من قبل بعض المسؤولين في الدولة أو في بعض الممارسات لاسباب معقدة ومتداخلة تارة لمصلحة أهل السنة وتارة لمصلحة الشيعة بحسب مناطق النفوذ المذهبي في الوسط والجنوب ( وهذا في الظاهر لبعض المتوهمين وإلا فان اللاعب الوحيد والمستفيد الأوحد هو نفس النظام ) ، إلا أن هذا لا يبرر مطلقا وصف النظام بالطائفية أو انه كان يعتمد الأسلوب الطائفي في الحكم !
والحق انه ما من دين أو عرق أو طائفة أو مذهب أو فكر أو جامع أو حسينية أو كنيسة أو شجر أو ماء في العراق إلا وامتهن واهدرت كرامته أو قيمته !!
? اعتراضات والرد عليها :
فان قيل :
1. انه كان يحظى بتأييد علماء أهل السنة .
2. إن المقاومة الحالية للاحتلال محصورة بالمثلث السني مما يشعرك بولائهم للنظام السابق
3. منع الشيعة من ممارسة شعائرهم وطقوسهم المذهبية الخاصة دليل على طائفية النظام .
4. إن هيكل النظام الأساسي كان من أبناء السنة ولم يكن من أبناء الشيعة !
5. قمع الانتفاضة الشيعية في الجنوب عام 1991م بوحشية ودموية دليل على ذلك أيضا .
والجواب عن هذه الإشكاليات وباختصار شديد :
فأما (1) فيجاب عنه بالنفي فالمؤسسة السنية – في الجملة - كانت تعارض النظام إلا أنها أدركت عجزها عن الإطاحة به إذ لاسبيل إلى ذلك إلا بإفناء المسلمين وتمزيق البلد ، وهذا لا ينفي وقوف بعض المتمشيخين إلى جانبه وولائهم لصدام إما لمصلحة دنيوية عاجلة واما لاعتقادهم عدم كفره ، وانه أولى من مجيء الأجنبي إلى البلاد كما هو حاصل اليوم ــ وهذا كان رأيا لبعض علماء الشيعة أيضا وهم معروفون فلا موجب للتسمية ــ وهذه في جملتها " حالات فردية " لاتمثل التوجه العام لدى أهل السنة ولا الشيعة حتى !
واما (2) فيمكن القول بان المقاومة الحالية هي " مقاومة إسلامية جهادية سنية وطنية " منطلقها الجهاد في سبيل الله تعالى وهدفها طرد الاحتلال وهي لا تمت إلى النظام السابق بصلة ، وهي لا تهدف إلى إعادته إلى السلطة لأنها كانت قد اكتوت بناره في السابق ، ولأنها كانت لا تعترف بشرعيته وهذا يظهر من موقعهم على الانترنيت ، واكبر دليل على هذا أنها لم تقف إلى جانب النظام خلال الحرب عليه لبغضها له ولعدم إمكان اللقاء معه ، هذا هو الإطار العام للموضوع ، أما إمكانية وجود بعض الأفراد ممن يوالى النظام ويدافع عنه فأمر وارد ضمن التصور الجزئي إلا انهم لا يشكلون وزناَ ثقيلاً في المقاومة الحالية .
نعم توجد بعض التشكيلات الإسلامية المتحالفة مع بقايا البعثيين وهذا موضوع معقد جوهره المصلحة السياسية والدفع الطائفي للأسف الشديد ..
أما (3) فيجاب عنه بعدم خصوصية الشيعة ، فقد دأب النظام المخلوع على طمس معالم الهوية الإسلامية لأهل السنة فمنعهم ــ وغيرهم ــ من التمثيل السياسي وتشكيل الأحزاب والجمعيات العلمية والخيرية ، ومنعهم من ممارسة كثير من شعائرهم الدينية ( وما محاربة اللحى والثوب القصير إلا حلقة في هذا المسلسل ) ، وحال بينهم وبين الاتصال ببقية المؤسسات السنية في العالم الإسلامي وفرض عليهم عزلة مذهبية رهيبة ــ لاسيما بعد الأزمة السياسية التي خلفتها حرب الخليج عام 1991م ــ الأمر الذي لم يصب الشيعة بمثله خلال تلك الفترة لا سيما بعد ضعف النظام وانكشاف الحدود مع إيران وانفتاحه عليها اقتصاديا وسياسيا إلى حد ما !!
وكان النظام يحارب بشكل محموم الناشطين من الدعاة إلى الله ، ويحارب الذين يدعون إلى الإصلاح والى تحكيم الشريعة الإسلامية ويتهمهم بـ : " تسييس الدين " و " التكفيرية " وهذا أمر يعرفه الممارس !
فهذه النقطة دليل على انغلاقية النظام ومدى حنقه على الإسلام وأهله لاسيما الدعاة من أهل السنة وليست دليلا على طائفيته كما يزعم البعض !
واما (4) فيمكن القول بان هؤلاء وان كان بعضهم قد انحدر من أصول سنية ومن عائلات سنية ضعيفة التدين غالباً إلا انهم بصعودهم إلى المراكز العليا في النظام والحزب قد فقدوا انتماءهم القديم وصاروا " صداميين " إلى النخاع والبحث في كفرهم كان يشغل بال العاملين من أهــل السنة ، وعامة أولئك البعثيين لا يقيمون وزنا للشريعة الإسلامية فضلا عن المذهب أو الطائفة ، فرئيسهم المعظم ومعبود هم الأكبر هو " صدام " أو قل إن شئت " المصلحة الشخصية " !!
ثم إن النظام كان يعتمد عليهم لعصبتهم القبلية القوية ، ولم يكن يخصهم بالتقريب فقرب إليه الشيعة واليزيدية والصابئة والنصارى ــ ولو وجد اليهود لقربهم إليه ! ــ فالمعيار عنده " الولاء لشخص الرئيس " لا غير .
ثم إن " الكادر الحزبي المتقدم " و" القاعدة الشعبية من الذيول " وهي أدوات أساسية للنظام الهيكلي للحزب ، وظهر قوي يعتمد عليه النظام في الميدان وفي الأزمات لرفع التقارير ورسم الموقف وللبطش والتنكيل بالمعارضين خصوصا في مناطق الجنوب إنما هي في اغلبها من " أبناء الشيعة " وهذا لوحده كفيل بإسقاط الشبهة من أساسها ، فأي طائفية هذه التي يتحدث عنها القوم ؟!
ثم إن القرآن الكريم لم يفرق بين الرئيس والوزير والجنود في اصل المؤاخذة فالكل في الوزر سواء وفي الحكم مشتركون قال تعالى : (ً إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ)(القصص: من الآية8).
واما (5) فيجاب عن ذلك بان ما فعله بالأكراد ــ وهم من أهل السنة في العموم ــ ابشع و اشد وحشية وهمجية ، فهناك اكثر من ( 250 ) قرية كردية قد أبيدت تماما وقصف أهلها من الشيوخ والنساء والأطفال بقنابل ( النابالم ) وبعضها بالغازات الكيماوية السامة ، وهذه قضية إسلامية سنية إنسانية ولا تخص الأكراد وحدهم ، فهل يعقل بعد هذا بان يقال إن : ( علي كيماوي وقصي وطه الجزراوي وأياد فتيح الراوي وسلطان هاشم وعبد حمود وسواهم من المجرمين ) كانوا من أهل السنة ومن قادة أهل السنة ؟!!
سبحانك هذا بهتان عظيم .
وأخيرا فان العقلاء توحدهم الجراح والمصائب لا أن تكون موجبا لمزيد من الفرقة والاختلاف والتدابر ، وإيذاء " صدام المجرم " حجاج هذا الزمان للسنة والشيعة في القديم ينبغي أن يوحدهم في الجديد .
منقول للكاتب عبدالله الرشيد
كاتب عراقي